وكالة أنباء الحوزة - أشاد آية اللّه العظمى ناصر مكارم الشيرازيّ بالجهود المبذولة في مجال التكنولوجيا الدينيّة، مؤكّدًا أنّ الحوزة العلميّة لم تتأخّر عن ركب العلم والتكنولوجيا، بل هي رائدةٌ في استخدام الذكاء الاصطناعيّ لخدمة القرآن الكريم ومعارف أهل البيت (عليهم السلام).
جاء ذلك يوم الأربعاء (21 آبان 1404هـ.ش الموافق لـ 12 نوفمبر 2025م) خلال لقاءٍ جمعه برئيس مركز البحوث الكمبيوتريّة للعلوم الإسلاميّة «نور» وعددٍ من المديرين والباحثين في هذا المركز، وبحضور نخبةٍ من أساتذة علوم القرآن والتفسير في الحوزة العلميّة، وذلك بمناسبة تدشين المنظومة الذكيّة «الحوار مع التفاسير».
تقديرٌ لتقدّم الحوزة العلميّة في التكنولوجيا الحديثة
وأضاف سماحته أنّه لم يكن مطّلعًا على هذا النشاط الكبير الذي بلغته الحوزة في مجال الذكاء الاصطناعيّ، معربًا عن سروره واعتزازه بلقائهم وتقريرهم المفصّل، ومقدّمًا تهانيه للجميع لاستغلالهم الإمكانات العلميّة الحديثة في خدمة القرآن الكريم والعلوم الإسلاميّة.
تحقّق ما أكّده أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنّ القرآن الكريم «ينابيع العلم»
واستشهد هذا المرجع الدينيّ بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: «إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَدًا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَسَبَبُهُ الْأَمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَمَا لِلْقَلْبِ جِلَاءٌ غَيْرُهُ»، مبيّنًا أنّ القرآن هو ينبوع العلم والفصل القاطع بين الحقّ والباطل؛ فكلّ ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة قد ورد فيه، وأنّ الهداية تنبع منه. وأوضح أنّ جهد القائمين على هذا المشروع مصداقٌ بارزٌ للرجوع إلى ينابيع العلم القرآنيّ.
القرآن الكريم مصدرٌ لجميع العلوم والمعارف
واستند سماحته إلى قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89)، مؤكّدًا أنّ القرآن الكريم يبيّن كلّ ما يحتاجه الإنسان لسعادته وهدايته، وأنّ العجز في العثور على بعض العلوم والمعارف فيه إنّما يعود إلى قصور الفهم البشريّ لا إلى هذا الكتاب الإلهيّ.
المكانة العلميّة للتفسير ودور التكنولوجيا في تطويره
ونوّه آية اللّه العظمى مكارم الشيرازيّ إلى أنّ بعض الناس، في الماضي، كانوا يعدّون التفسير عملًا غير علميٍّ، لكنّ الواقع أثبت أنّه من أدقّ العلوم، إذ يتطلّب فهم الآيات وتحليلها اللغويّ ومعرفة شأن نزولها واستنباط مفاهيمها بحثًا شاملًا، ومع دخول الذكاء الاصطناعيّ في هذا المجال، قد أصبح مسار العمل التفسيريّ أكثر دقّةً وسرعةً وتوثيقًا.
وأضاف سماحته، مخاطبًا الحضور، أنّ نشاطكم في مجال التفسير علامةٌ على نضوج الحوزة العلميّة في العلوم الحديثة؛ فالحوزة لم تتخلّف، بل هي رائدةٌ في هذا المجال الحيويّ؛ أي تفسير القرآن.
توصيةٌ بتوسيع التغطية الإعلاميّة الدقيقة
وأشار آية اللّه مكارم الشيرازيّ إلى ضرورة الإخبار والإعلان عن الإنجازات الفاخرة لـمركز «نور»، مصرّحًا بأنّ كثيرًا من الأعمال القيّمة تُنجز ولكن لا تُنشر أخبارها؛ فيجب على وسائل الإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون أن تظهر مدى تقدّم الحوزة في العلم والتكنولوجيا.
وأضاف أنّ الإعلام هو نصف العمل؛ لأنّ وعي المجتمع يبعث على الدافعيّة لاستمرار الأنشطة العلميّة، مؤكّدًا على ضرورة إعلام كبار الحوزة والمراجع بهذه الإنجازات.
ضرورة تجهيز الحوزة العلميّة في الحرب الثقافيّة
وأشار هذا المرجع الدينيّ إلى قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، موضحًا أنّ هذا الأمر الإلهيّ لم يعد مختصًّا بالحرب العسكريّة، بل يشمل ميدان العلم والثقافة أيضًا، مضيفًا أنّ الحرب اليوم ثقافيّةٌ، ولا بدّ من التسلّح بالأدوات العلميّة والذكاء الاصطناعيّ؛ فكما يجب امتلاك السلاح في ميدان الحرب العسكريّة، فإنّ امتلاك الأدوات العلميّة والذكيّة ضروريٌّ في ميدان الحرب الثقافيّة.
الذكاء الاصطناعيّ في خدمة القرآن الكريم
وصرّح آية اللّه مكارم الشيرازيّ، في جزءٍ آخر من كلمته، بأنّ الذكاء الاصطناعيّ يمتلك قدراتٍ واسعةً في مجال ترجمة وتحليل التفاسير، وهذا يعني استخدام التكنولوجيا لنشر معارف القرآن الكريم. وتابع مؤكّدًا أنّه يجب استخدام القوّى والطاقات في الميدان الثقافيّ؛ فإذا أنتج الآخرون برمجيّاتٍ بدوافع سياسيّةٍ أو مادّيّةٍ، فعلينا أن نقوم بهذا العمل بنيّةٍ إلهيّةٍ لترويج حقيقة القرآن الكريم.
كما أعرب عن أمله في توظيف هذه الأدوات في أقسامٍ أخرى من العلوم الإسلاميّة كالفقه، والأصول، والرجال، والتاريخ أيضًا.
تجربةٌ شخصيّةٌ في تأليف تفسير «الأمثل»
واستذكر آية اللّه مكارم الشيرازيّ ذكرى تاريخيّةً، مبيّنًا أنّ شبابًا، في الماضي، طلبوا منه تفسيرًا بلغة الجيل الجديد، فأجاب بأنّ مثل هذا التفسير غير موجودٍ، لذا يجب كتابته. وأوضح أنّ العديد من مجلّدات تفسير «الأمثل» كُتبت في أيّام المنفى بمدينتي أنارك ومهاباد، واستمرّ هذا العمل حتّى في التجمّعات المحدودة؛ لأنّنا كنّا نؤمن بأنّ القرآن يجب أن يكون مفهومًا للجميع بلغة العصر. ثمّ أعرب عن سروره بأنّ هذا المسار يتواصل اليوم عبر الذكاء الاصطناعيّ.
تأكيدٌ على الأثر المعنويّ للقرآن الكريم
وأشار هذا المرجع الدينيّ إلى الجانب التربويّ والروحيّ للقرآن الكريم، مبيّنًا أنّ القرآن مصدر السكينة وجلاء القلوب؛ فالإنسان الغارق في الدنيا يصدأ قلبه، والارتباط بالقرآن ينظّفه. وأكّد، مخاطبًا الحضور، أنّكم بخدمتكم للقرآن تربطون قلوب الناس بالحقيقة الإلهيّة.
ختام الكلام ودعاء سماحته
ودعا آية اللّه مكارم الشيرازيّ لجميع القائمين على إنتاج هذا البرنامج، قائلًا: أدعو لكم جميعًا وللقائمين على إنتاج هذا البرنامج بشكلٍ خاصٍّ، وأهنّئكم جميعًا لأنّكم خطوتم في طريق القرآن. فعملكم في خدمة القرآن هو جهادٌ علميٌّ. آمل أن يشملكم دعاء أهل البيت (عليهم السلام) وأن يمنحكم اللّه خير الجزاء. كونوا على يقينٍ بأنّ هذا النور سيكون عزيزًا في أعين أهل البيت (عليهم السلام) وأنّ مستقبل هذا الطريق سيكون أكثر إشراقًا من ماضيه.
يُشار إلى أنّ هذه المنظومة متوفّرةٌ على العنوان (Chattotafsir.inoor.ir)، وقد صُمّمت بجهود مركز البحوث الكمبيوتريّة للعلوم الإسلاميّة «نور» مستفيدةً من قدرات الذكاء الاصطناعيّ، لتوفّر إمكانيّةً حديثةً للبحث والتفاعل العلميّ مع المصادر التفسيريّة.
كما يُذكر أنّ حجّة الإسلام والمسلمين محمّد حسين بهرامي، رئيس مركز البحوث الكمبيوتريّة للعلوم الإسلاميّة «نور»، قدّم في بداية اللقاء تقريرًا مفصّلًا عن هذه المنظومة المصمّمة.
تابع أيضًا:
بداية عصر جديد في تعامل الباحثين مع نصوص تفاسير القرآن.. أول مُساعِد ذَكِيّ يضع "مليون صفحة تفسير" بين يدي الباحثين

لمراجعة التقرير باللغة الفارسيّة يرجى الضغط هنا.
المحرر: أمين فتحي
المصدر: وكالة أنباء الحوزة





تعليقك